إلى كل فتاة لم تتزوج بعد.. وقد تقدم بها العمر
محمد بن شعبان أبو قرن
إلى كل فتاة لم تتزوج بعد، وقد تقدم بها العمر، نقول لكِ:
أنتِ لؤلؤة في أعماق البحار، وعدم اصطيادها، لا يقلل من قيمتها أبداً.
نعم هذه كلمات أكتبها لكِ -أختي الكريمة- يا من لم تتزوجي بعد، وأصارحك فيها، وكلي أمل أن تتسلل لعقلكِ، وتجد مكانها في قلبكِ.
إلى من لم تتزوج بعد، وجعلت الهّم رفيقها، وغلفت بالحزن قلبها، وجعلت اليأس يدبُ في نفسها، وكل هذا لأنها لم ترزق بالزوج بعد.
رفقاً بنفسك -أيتها الكريمة- فالزواج ليس فريضة يهدم دينك إن لم تفعليه، بل هو سنة الله في خلقه، يكتبها لمن يشاء، ويرزق بها من يشاء، ولا رادَّ لقضاء الله، فكم من عالم وعالمة أثروُا التاريخ الإسلامي بالأبحاث والكتب، ولم يكتب الله لهم أن يتزوجوا، ومع هذا ذاع صيتهمُ، وخلفوا وراءهمُ كنوز فكرية ثمينة، خيرٌ من كنوز الذهب و الأحجار الكريمة، ولم يقلل هذا من شأنهم أبداً.
أختي الكريمة... لماذا تعتزلين الناس؟ أو تكوني معهم بقلب حزين يائس، وكل ذلك بسبب عدم زواجك، وهذا فيه اعتراض على قضاء الله.
فيا أختي: أنتِ لا تدرين! قد يكون في بقاءك دون زواج رحمة بك، فاشكري الله على أي حال، ولا تحزني أو تعتزلي الناس، فهذا معناه شعورك بالنقص و كأن عدم الزواج، يخل في عقيدتك أو ينقص من إيمانك، و كرامتك أختاه تعالي لأخبرك كيف يكون عدم الزواج رحمة بك.
إن كنتِ متدينة وملتزمة، فهذا من نعم الله عليك، و كم من فتاة كانت في مثل حالك وتزوجت، وفتنها زوجها، فأبعدها عن دينها، وانتكسحالها، فخسرت في الدنيا والآخرة، وقد حدث هذا حقاً، فهذه فتاة تربت في بيت متدين، وعلى طاعة الله، وبعد زواجها أشتكى الجيران من حالها، وحال زوجها، بسبب أصوات الغناء المزعجة، والعالية الخارجة من منزلهما، ولا تسألين عن حال أبيها، وهو يسمع بشكوى الجيران والله المستعان، (وهذه همسة خاصة لمن تقرأ الآن وهي مقدمة على الزواج للسؤال الدقيق عن الرجل قبل الزواج).
الآن يا أختي أليس الله لطيف بك وأنت مثل هذه الفتاة التي كانت تدعوا الله بالزوج الصالح، فكانت هذه هي نهاية حالها! إذاً اشكري الله أن فضلك على كثير من خلقه، وقدر لك هذا الحال لحكمة لا تعلميها، ولعل فيها تخفيف لذنوبك: (ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً).
لن أنسى الجانب الهام، والذي هو سبب رغبة الفتيات في الزواج، وهو الإنجاب وإشباع عاطفة الأمومة بداخلها، وهنا أيتها الكريمة أتمنى منكِ أن تنظري حولك وترين حال من تزوجت وقدر الله عليها عدم الإنجاب، تخيلي شعورها وكيف هو حالها؟ فهي والله في شقاء وعذاب لأنها حُرمت من شيء هام، تسعى له كل امرأة، والحزن يملئ نفسها بالتأكيد، والله يرحم حالها ويفرج عنها، ويرزقها بالذرية الصالحة.
أختاه: أليس حالك أفضل من حالها، فأنتِ محرومة من هذه العاطفة، بينما تلك المرأة محرومة و فوق ذلك تشعر بالحزن؛ لأنها سبباً في حرمان زوجها من عاطفة الأبوة، وهذا يُشكل ضغطاً نفسياً كبيراً عليها.
أنتِ لديك أبناء إخوتكِ وأقربائكِ، فوجهي عاطفتكِ نحوهم، وعلميهم و ساعدي في تنشئتهم على أحسن الأخلاق وعلى طاعة الله، وقد تكوني معلمة ولديك فرصة لتربي من هم بين يديك خير تربية فأنتِ مربيه أولا ومعلمه ثانياً، وقد تكونين طبيبة فتساهمي في شفاء طفل -بإذن الله- وتكوني سبباً لسعادته، المهم في كل هذا أن تحتسبي الأجر عند الله، وسيمتلئ قلبك بالسعادة الحقيقية ومعها الأجر العظيم.
أختي العزيزة: إن كنتِ تشعرين بأن عمرك يمضي ويحترق، فلا تجعليه يحترق فيكون هباء منثوراً، كعود الخشب اليابس، بل اجعليه يحترق كالشمعة التي تحترق لتنير الدرب للآخرين، وتضئ للآخرين حياتهم، وهدفها ابتغاء وجه رباً كريم.
أما أن كنتِ تنشدين المودة والرحمة في الزواج، فلا يخفى عليك ذلك الحرمان والشقاء والجفاء الذي تعيشه كثير من النساء في ظل أزواج قصروا في حقوقهن ولم يراعوا شرع الله، فكان الزواج وبالاً عليهن، لذا عليك شكر الله فأنتِ لا تعلمين عن حالك بعد الزواج كيف سيكون.
لا تجعلي كل تفكيرك محصور في الزواج، فهكذا سيمضي العمر سريعاً وموحشاً عليك، بل اصرفي هذا التفكير عن بالك، وتوكلي على خالقك، واجعلي همك رضى الله وتعلم دين الله، فأنتِ أن لم تكوني عالمه بكتاب الله وحافظه له فقد فاتك الكثير، فعليك بطلب العلم الشرعي وابتغاء وجه الله الكريم، وهكذا سيمر العمر وأنتِ كلك ثقة بنفسك وبالله لأنك توكلت على الله.
أختاه: لا تبالي بتلك الأوصاف التي تطلق عليكِ، فالعنوسة الآن تشمل الشباب قبل الفتيات، ولدي خمس قريبات في الثلاثين من أعمارهن، تزوجن بشباب تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والخامسة والثلاثين، وفي هذا التأخير حكمه عظيمة شعرن بها هؤلاء الفتيات و الشباب معاً، وهي أنهن عرفن قيمة الزواج، وجعلهن هذا الأمر يقدرن الحياة الزوجية، وكان دافعاً لهن لقيامهن بواجباتهن على أكمل وجه ابتغاء مرضاة الله، ولتعويض ما فاتهن، وسبحان من يوزع الأرزاق كما يشاء، وغيرهن كثيرات من تزوجن وهن في منتصف الثلاثينات، بل وحتى في الأربعين، وعشن في سعادة وهناء، فليس المهم طول الحياة الزوجية، المهم وقت السعادة الحقيقية فيها.
أختي: اجعلي كلمة عانس رمزاً لعزتك وافتخارك بنفسك، ولا تجعليها خنجراً مسموماً تغرسينه بيديك في قلبك.
إن شعر الآخرين بعظم شخصيتك ونجاحك وعلو قدرك، فسيخجلون من توجيه هذه الكلمة لك، ولو حدث ووجهوا لك هذه الكلمة، فهذا لن يهز ثقتك بنفسك و ثقتك بمن خلقك وصورك وشق سمعك وبصرك، فمن أنعم عليك بهذا قادر على أن ينعم عليك بما هو خير لك.
أختي الكريمة: بأي عمر كنتِ، في العشرين أو الثلاثين أو الأربعين أو حتى أكثر، أتعلمين بماذا أشبه حالكِ؟ حالكِ كحال تلك اللؤلؤة الثمينة، الساكنة في أعماق البحار، لا أحد يراها، فهي محفوظة في تلك الأصداف، والتي لم تستخرج بعد! وأقول (بعد) لأنه لم يأت ذلك الصياد الماهر الذي يعرف كيف يستخرج الجواهر الثمينة، أو بسبب وجودها في أماكن بعيدة وعميقة يصعب على الصيادين الوصول إليها، وما أكثر اللؤلؤ الذي لم يُستخرج بعد من أصدافه، لأي سبباً كان، فهل يعني هذا بأنه رخيص أو ثمنه قليل؟ -يا أختي الكريمة- فافرحي، وأخرجي للناس، وارفعي رأسك عالياً ليس من أجل العباد، بل من أجل رب العباد، واملئي قلبك بالعزة والرضى بقضاء الله، واجعلي هذا اليوم هو البداية الحقيقة لك، وتوجهي فيه لله، وادعيه أن يعينك على ذكره وشكره وحُسن عبادته، وأن ييسر أمركِ، ويفقهكِ في أمور دينكِ، ويجعلكِ نوراً لمن حولكِ، وأكثري من هذا الدعاء وردديه صبحاً ومساء: "اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك".
يا أختي الكريمة: لا يحزنك ذلك، وتذكري أنك لؤلؤه مكنونة، في صدفة محفوظة، تعيش حياة ساكنه في أعماق البحار، وعدم اصطيادها، لا يقلل من قيمتها أبداً.
وفق الله فتيات و شباب الإسلام لما فيه الخير في دينهم و دنياهم.
وأعيد وأقول: أنتِ لؤلؤة في أعماق البحار، وعدم اصطيادها، لا يقلل من قيمتها أبداً.