اعتاد الأصدقاء على الإلتقاء في مقهى صغير ..
كانوا على الدوام يتبادلون الأراء والنقاشات حول قضايا السياسة والحرب والسلام ..
ذات يوم .. وبعد أن اشتد الجدال بينهم ..قطع أحدهم ذلك الجدال البيزنطي وقال: " حسناً يا رفاق.. أخبروني بكل صدق.. ما رأيكم في الحب؟ "
بُهت الأصدقاء لسؤاله.. واعتلت الدهشة والحيرة على وجوههم .. فلم يكن ذلك وقته ولا أوانه المناسب..
وبعد تردد قال أحدهم : الحب نار تحرق قلوبنا وتحولنا إلى جمرات تتقلب كل حين بلا رحمة ولا هوادة ..
الحب حزن وألم .. عذاب ووله ..
الحب يصيرك سعيداً للحظة.. ومن ثم يجعلك تعيساً لأيام وشهورا طويلة.
تنهد الآخر وقال: الحب حياة وخلود .. ولكنه موت واندثار .. الحب وطن حر ولكنه خاضع لسلطة الاحتلال ..
الحب يجعلك إنساناً رقيقاً من الداخل ..
ووحشاً ثائراً من الخارج ..
الحب يكوينا بنار شوقه مرتين ..
مرة وأنت بعيد عمن تحب ..
ومرة وأنت قريب ممن تحب..
فقال ثالثهم بعد لحظة تأمل وشرود: الحب داء ودواء .. مرض وصحة ..
شقاء ونعمة ..
ألم وأمل ..
غيرة ولا مبالاة ..
الحب يصيرك سيداً وعبداً في ذات الوقت.
وأخيراً نطق الرابع بهدوء وتفكر:
الحب إله مقدس وشيطان مريد ..
رجل صالح وكافر ملحد ..
الحب يسرق منك النوم ويهديك السهر ..
يسرق منك الراحة ويهديك القلق ..
يسرق منك الطمأنينة ويهديك الشك والريبة ..
الحب يسرق منك هدوئك واتزانك ويجعلك غاضباً على الدوام ..
ولكنه جميل ولذيذ .. جميل بعذاباته وآلامه ..
لا تستطيع أن تحيا بدونه..
تحتاجه دائماً في كل وقت وحين..
فهو السعادة التي ليس مثلها سعادة..
وهو الرغبة الوحيدة التي تدفعنا للاستمرار وتطالبنا بتقدير قيمة الحياة ونعمة العمر الطويل برفقة من نهواه..
الحب أيضاً يصنع منك انسانا آخر ..
يغير من قسوتك.. ويجعلك حنونا عطوفا..
الحب يرقق قلبك.. ويجعله طائعاً راغباً..
الحب يعني أن تكون أنت…بعيني حبيبتك..
الحب يا رفاق.. يجعلك تُحلّق نحو الفضاء ..
تلامس النجوم .. تسامر القمر ..
تبني لك قصراً على جزيرة مرجانية ..
تعيش فيه ملكاً وسيداً وأميراً ..
ولكن ما أن تفتح عينيك حتى تكتشف أنك كنت تحيا مع السراب.
ساد صمت لدقائق معدودة ثم نظر الرفاق الأربعة إلى صديقهم الذي طرح عليهم ذلك السؤال ..
وسألوه : وأنت .. ما رأيك في الحب؟ ..
نظر إليهم ثم حدق في سحابة الدخان المتصاعدة من سيجارته لبرهة وقال: الحب جوهرة ثمينة ما أن تمتلكها حتى تكتشف أنها ليست ملكاً لك ..
الحب حورية فاتنة تجلس وسط البحر تغريك وتناديك وتطالبك بالاقتراب ..
فتنزل البحر وأنت تعلم مسبقاً أن أمواجه ستقتلك ..
ولكنك تسبح وتجابه أمواجه ..
وبعد معركة طاحنة تدور بينكما تصل إلى وسط البحر ..
وهناك تكتشف أن حورية البحر لم تكن أكثر من صخرة صماء لا يوجد فيها أي معلم من معالم الحياة ..
فتعود أدراجك وربما تستسلم لموج البحر وتدعه ينتقم منك.